السبت الاسود (27/12/2008)- جثث بلا رؤوس ..
وأطراف متطايرة .. واحياء يبحثون عن احبائهم وسط عشرات الجثث
غزة الساعة 11 صباحا
ما إن تطأ قدمك مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، حتى ترى الموت مخيما على جنبات المكان وفي كل ركن من أركانه.
فرائحة الموت تزكم الانوف والجثث المقطعة والملقاة على الأرض نظرا لازدحام ثلاجات الموت وعدم قدرتها عل استيعاب المزيد منهم تشعرك بأن عجلة الزمن توقفت عند هذه الجثث ومن يحيط بهم من ذويهم وأحبائهم الذين افترشوا الأرض بجانبهم يبكونهم ويضربون الأرض بأيديهم من هول ما أصابهم.
فهنا رجل يحمل طفله الشهيد الذي لم يتجاوز السبعة أعوام في قطعة من الكرتون بعد أن نفذ ما لدى المشفى من أغطية ليعود به للمنزل استعداد لدفنه، وهناك رجل آخر وصل به الجنون من هول الصدمة أن يحدث ابنه محمد الذي ارتقى شهيدا في مبنى الجوازات أثناء حفل لتخريج الضباط، وهناك أب جلس بالقرب من جثة ابنه مقطوع الرأس وأخذ يصرخ ويضرب رأسه بالأرض،وتلك أم أخرستها الفاجعة فأخذت تشير للرجال كي يسقوها شربة ماء علها تفيقها من كابوس مزعج فتعيد لها فلذة كبدها، فأصابنا الذهول مما رأت أعيننا، ليعود الى الذاكرة مشهد مجزرة صبرا وشاتيلا في 82 في لبنان حين كانت جثث الشهداء ملقاة بالعشرات على الأرض.
ورغم صعوبة الحديث مع المتوافدين على مجمع الشهداء الذين انشغلوا بالتعرف على جثث ذويهم وتفتيش جيوبهم لعلهم يعرفون من صاحب هذه الجثة بعد أن تقطعت رؤوسهم وطارت أطرافهم ولم يبق من أجسادهم إلا الجزء اليسير بفعل الصواريخ التي انهالت بالعشرات على مناطق متفرقة من قطاع غزة إلا أن "معا" حاولت النزول إليهم والحديث معهم الذين أخذت ألسنتهم تلهج بذكر الله محتسبين عند الله أبناءهم شهداء، إلا أنهم صبوا جام غضبهم على الأنظمة العربية الرسمية وما وصفوه بالصمت العربي المقيت حيال ما تعرض له قطاع غزة من مجزرة أسقطت أكثر من 155 شهيدا ومئات الجرحى، مطالبين الفصائل بالرد القاسي داخل العمق الاسرائيلي.
المواطن رأفت شامية المكلوم باستشهاد أخيه اتهم الأنظمة العربية وعلى رأسها مصر بالتضحية بالشعب الفلسطيني، وتركه وحده يواجه الحصار والموت البطيء حتى جاء القرار الإسرائيلي بالإعدام الجماعي لهم الذي لم يستغرق ثواني حتى أتت اسرائيل على جميع مقرات الأجهزة الأمنية وما يحيط بها من منازل مواطنين.
اما الطفل يحي أيمن 12 عاما الذي أخذ يركض مذهولا وينادي أبيه الذي حاول ابعاده كي لا يرى اخيه وعمه وهم اشلاء وهو يقول "يابا وين اخويا وعمي .... بدي اشوفهم انا مش خايف"، ثم امسك بذارع احد المقاومين "اقصفوهم واقتلوهم زي ما قتلونا"
يحي محيسن الذي اخذ يقلب في جثث الشهداء وهو يبحث عن ابنه الشهيد فيقول "مهما فعلت إسرائيل لن تهزمنا ولن تضعفنا فأولادنا ذهبوا لخالقهم فداء للوطن، ولن يأتي علينا ما هو أسوأ من ذلك فإسرائيل أعلنتها حرب ونحن لانريد الحياة الدنيا نريد الشهادة"
المواطنة نوال اللدعة 40 عاما التي فشلت كافة جهودها في التعرف على ابنها واخيها بين الأكوام المتكدسة من جثث الشهداء، وقفت ترفع يدها الى الله طالبة الصبر على ما أصابها، مؤكدة أن هذا درب وخيار الشعب الفلسطيني.
أما الطالب الجامعي حسام فرج الله والذي كان يراقب أحد ذوي الشهداء وهم يخلونه من أرض المشفى استعدادا لدفنه فقد وصف ما جرى بأنه "اليوم الأسود" في حياة الفلسطينيين والمسلمين والعرب، فقد عبر عن حالة الصدمة التي أصابته لدى تلقيه الخبر فلم يصدق ما يسمع إلا بعد أن توجه لمجمع الشفاء، متهما المجتمعين العربي والدولي بإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لقتل أهل قطاع غزة
من جانبهم تحدث رجال الإسعاف عن صدمتهم مما شاهدوه مؤكدين بأن أغلب الشهداء من المدنيين من أطفال ونساء، وأن أغلب الشهداء وصلوا أشلاء مقطعة، لافتين إلى ما واجهوه من صعاب أثناء إخلاء الشهداء
وأكد أحد رجال الإسعاف لـ"معا " بأن طواقم الإسعاف ما زالت تعمل على إخراج عشرات الجثث المحتجزة تحت أنقاض المقرات الأمنية التابعة للحكومة المقالة التي دمرتها إسرائيل بالكامل على رؤوس من فيها
ويبدو أن إسرائيل قد حزمت أمتعتها لشن حرب موسعة ضد كل ما هو فلسطيني في قطاع غزة وسط صمت عربي ودولي رهيب على مجزرة سيسجلها التاريخ
كما تحدث الأطباء في مجمع الشفاء الطبي بأن عدد الشهداء والجرحى يفوق إمكانات المشفى الذي يسعى بكل الوسائل إلى تقديم الإسعافات اللازمة لمن وصفت إصابته بالخطيرة نظرا لارتفاع عدد ضحايا القصف من النساء والأطفال.